الأحد، 25 مارس 2018

ليلة سوداء

               
 هدوء الليل يعم على المكان واذا بصوت عربة المستشفى يشق ذالك الهدوء، يدفعها المسعفون عبر الممر الطويل، نحو غرفة حفظ   الموتى..
- الحارس في سره: لا بد أنهم آتون بجثة جديدة!
- المسعفون: طاب ليلك سيدي الحارس، هذه جثة امرأة احفظها في الثلاجة حتى الصباح سنأتي ونأخذها للمشرحة.
- الحارس: أعطوني اسم صاحبة الجثة وسبب موتها، حتى أدونه في السجلات
- المسعفون: حقاً لا نعرف هويتها وسبب موتها، فقط تلقينا بلاغ عن حادثة قتل، ونقلناها فماتت في الطريق.
- الحارس يكتب: (الاسم: مجهول - سبب الوفاة: غير معروف - الجنس: أنثى)
 أدخل الحارس الجثة الثلاجة وهي مغطاة بلفافة بيضاء، وغادر المسعفون..
 تذكر الحارس بعد منتصف الليل، أنه نسي ملابسه في الغسالة، وعليه أن يخبر امرأته كي تنشرها.
 فأخرج جواله وأجرى اتصالاً بزوجته
 سمع رنين هاتف يتسرب صوته من داخل ثلاجة الموتى..!
 ففزع مما حدث ، لانه لا يوجد احد سواه في المكان ، وجميع من بها اموات....
فبات يتنصت لصوت الهاتف من اين ياتي ، فإذا به يصل إلي جثة المرآة التي احضرها المسعفون في هذه الليلة...
 فبدات دقات قلبه تخفق بشكل كبير، كاد ان يتوقف من شدة الهرع والخوف...
 اشتد قلقه وخوفه دقيقة بعد دقيقة ، بل ثانية بعد ثانية...
فاستجمع شجاعته وقال ف باله هل يعقل ان تكون هذه زوجتي... هل يعقل ، هل يعقل!!
  تساقطت الدموع من عينيه، لانه تذكر كل اللحظات السعيدة والاوقات الجميلة ، تذكر كل شيء في بضع دقائق او اقل...
انه الموت الحاسم الذي يفصل الحبيبن ، الذي يفصل المعشوقين ، الذي يفصل الترابط!!
فاذا بصاحبنا الحارس يمسك ب باب الثلاجة ويجذبه للخلف " يفتحه " وينظر إللي وجه المرأة والدموع ما زالت تسري من عينه...
فإذا بالمفاجاءة الكبري...
الصاعقة التي نزلت علي الحارس وهي انها لم تكن زوجته!!
اخذ يفكر و الشك مسيطر عليه...
 وبدأت الاسئله تطارده... كيف وصل هاتف زوجتي الى هذه المراءة...
من تكون هذه المراءة.. ما حال زوجتي الان... ماذا يحدث ماذا يحدث..؟؟ كاد الحارس ان يصاب بالجنون من تردد الاسئله في ذهنه... وكانت جميعها بلا اجوبة....
فقام صاحبنا بإبلاغ الشرطة وبعض القيادات... ليتم التحري ف القضية المعقدة، التي كادت ان تصيب صاحبها بالهلع والجنون....
وعندما حضرت جميع القيادات ، استاذن وذهب مسرعآ للمنزل ليري زوجته....
وعندما عاد للمنزل وجد زوجته نائمة ، ليس علي بالها أي شيء أطلاقآ....
فافزعها فزعا  يملؤه الأشتيقاق ، واحتضنها كما لو لم يراها منذ زمن بعيد...
فأندهشت الزوجه وقالت : ماذا بك يا زوجي العزيز ، كانت تقولها بشغف كبير ، ماذا بك... أحدث شيء ما.. تكلم ، ماذا حدث!؟
وهو منهمر بالبكاء ، وزاد في البكاء كلما تحدثت زوجته ، حتى هدأ من روعه واحضرت له كوب ماء ، فحكى لها ما حدث!!
فقالت له " لا تقلق إن الله معنا "
فاندهش ، و بدأت الشكوك تراوده وكانه يوجد شئ تخفيه زوجته عنه...
فقالت له يا زوجي العزيز ، كنت اتسوق ، فاوقفتي امرأة غريبة  تطلب المال  فعطيتها ما في النصيب...
ثم عاودت علي ثانية سائلة المزيد من المال ، فأعطيتها....
ثم عاودت ثانية وقالت : هل يممكن ان اجري اتصالا هاتفيا لزوجي لانه مريض وهو الان بالمشفي وليس معي هاتف ؟!!
فقلت لها تفضلي تكلمي ما شئتي...
فإذا  بي التفت لم اكمل دقيقة واحدة لم اجدها ، فحزنت حزنآ شديدآ ، ليس لسرقه الهاتف ......
قالت له يا زوجي لم اقصر معها ، فخدعتني ، طلبت صدقة فاعطيتها ، فسرقتني ، ومن الصدمة لم اذكر إلا " حسبي الله ونعمه الوكيل " وعدت للمنزل وكان يملئني الحزن الشديد من فعلت هذه المراءة...
وقبل ان انام ، قلت يا الله إني امتك وعبدتك الصالحة ، اذا اغضبتك يومآ فانت الرحيم ، واذا غفرت لي واعطيتني فانت الكريم..
اللهم إن هذه المرأة خدعتني وانا احسنت بها، فإني افوض أمري لك ، فأنت الحكم العدل... ثم خلدت للنوم!!
فعادا للمنزل ، وفي الصباح ذهب الحارس لمكان عمله ، واستفسر عن اخر التحريات بخصوص هذه المرأة...
فقال له صديقه في المباحث ، أن هذه المرأة  تعرضت للخداع من قبل ثلاثة اشخاص... فقال الحارس ما القصة كاملة...
قال له... هؤلاء الثلاثة الذين تم القبض عليهم اقروا بكل شئ ، قالوا... هذه المرأة جاءت تسألنا في مال ، فغازلناها ، فلم تأبى فجاءت معنا ، واشطرتنا نحن الاربعة ان لا يلمسها احد كما اشترطت هي...
فذهبنا الي منزل احدنا ، فاحتسينا الخمر ، فشربنا حتى لم نستطع تذكر اسامينا، فاحلاها الشيطان في اعيننا، ففعلنا ما فعلنا ، ولكي لا تخبر احد ، تخلصنا منها ونهبنا كل ما تملك...
فقال الحارس لصديقه ، لماذا لم يسرقوا الهاتف النقال ايضآ!!
فقال له عندما سألتهم بذالك ، قالوا عندما كنا نفحص ما تملك من ذهب و مال وجدنا الهاتف ، وقبل ان يلمسه احدنا بدأ الهاتف تلقائيا بقول " واستغفروا ربكم ليلااآ ونهاراا " ويحتنا إلي قيام الليل ، .فأحسسنا بتأنيب الضمير...
يقول المتحري لصديقه الحارس...وكأن الكلمات اصابتهم بالصاعقة...  جاءوا لتسليم انفسهم ومستعدين للعقاب أيآ كان.... فدمعت عين الحارس من سماع كلمات صديقه... وذهب إلي زوجته ليقص عليها ما حدث.....
فأخبر زوجته بما حدث وقال ، لقد سمع الله ندائك واقتص منها خير قصاص....
فقالت الزوجة " ولا يظلم ربك أحدا " ...

الخميس، 22 مارس 2018

الدنانير الخمسة



- يقول أحد الشيوخ:
     - سنة 1994، مَرضتْ ابنتي، وكانت تبلغ من العمر أربعة عشر سنة فوجهني الأطباء لنقلها إلى اكبر مستشفى  بالعاصمة..       وما كان بيدي حيلة الا اني توكلت على الله وسافرت إلى العاصمة.
  وعند وصولنا إلى المستشفى سألت عن الجناح المقصود  فوجدته بعيدًا، ولم أكن أعلم أن المستشفى كبير لهذه الدرجة، يسير فيها الراكب بسيارته، بقيت مندهشا فكيف بشيخ مثلي ان يتصرف...!؟
مشيت قليلا، ولم أجد من يساعدني... فتَعَب الشيخوخة، وتَعَبَ السفر، وتَعَبَ الحاجة، وتَعَبَ المرض الذي ألَمَّ بابنتي... جميعها ابتلاءات أرهقتني.
جلست لأستريح في مكان مخصص لركن السيارات..!!
وكُنت بين الفينة والأخرى أذرف الدمع، وأتوارى عن ابنتي وعن الناس كي لا يرونني باكيًا.. وبينما أنا كذلك، وإذا بسيارة فاخرة تركن بجواري، خرج منها شاب طويل القامة بهي المُحَيَّا، يرتدي مئزرا أبيضا، شارته (بطاقته المهنية) تتدلى على صدره... ثم توجه نحوي.. وسألني عن حاجتي، فخنقتني العبرات ولم أقدر على الكلام.. سألني: يا عم هل معك رسالة طبية..؟ أعطني بطاقة هويتك..
يقول الشيخ: لمّا سَلَّمْتُ البطاقة للشاب، راح يتأملني من رأسي إلى أخمص قدمي، وقد بدت عليه علامات الدهشة والاستغراب..!!
ثم أرسل تنهيدة من أعماق جوفه، وجلس بجانبي وراح يتفرس في ملامحي تارة، ويُقَبِّلُ جبيني تارة أخرى، ولم يتمالك نفسه وذرفت عيناه..!!
سألته: ما بك يا ولدي!؟ هل أصابك مكروه لا قدّر الله..!؟
قال: لا... وإنما أشفقت لحالك، ثم حَمَلَ ابنتي بين يديه، وقال: تعال يا عم معي
دخل الشاب أروقة جناح طبي متخصص، ووَضَعَ الطفلة على كرسي متحرك، وأخذ يأمر وينهي، والكل يُحيّيه تحية تقدير واحترام ويتودد إليه.. يبدوا أنه صاحب مكانة وشأن في هذا المستشفى.. وراح يطوف بالبنت بين قاعة الاستعجالات، ومخبر التحاليل، وجناح التصوير بالأشعة، وقسم التخدير والإنعاش، والجراحة العامة.. وفي حدود الساعة الرابعة صباحًا كانت البنت قد أُجرت لها عملية جراحة ناجحة واستعادت وعيها..!!
حمدتُ الله وشكرتُ الشاب الذي كان لي ظهيرًا وسندًا ومعينًا... قلت له: سيبقى خيرك يطوق عنقي ما حييت.. فقد كان كل مَن في المستشفى يخدمني خدمة استغربتُ من مستواها الراقي جدا، ولم أسمع بها سوى في مستشفيات الدول المتقدمة في هذا المجال..!!
وبعد ثلاثة أيام، أمرني الطبيب الذي أجرى العملية الجراحية لابنتي بمغادرة المستشفى.. فطلب مني صاحبي الذي التقيته أول يوم أن تمكث الطفلة في بيته أسبوعًا آخر حتى تسترد عافيتها وتستكمل نقاهتها، لأن السفر متعب والمسافة بعيدة..!!
استحييت من كرمه وخيره، لكني استجبت له.. ومكثت في ضيافته سَبعة ليالٍ، وكانت زوجته تخدم ابنتي وكان هو وأولاده يترفقون بي وبابنتي ويعاملونني بمنتهى الرقة واللطف والأدب...
وفي الليلة السابعة، لمّا وضعوا الطعام على المائدة، وتحلقوا للعَشاء، امتنعت عن الطعام، وبقيت صامتًا لا أتكلم، قال لي الرجل: كُلْ يا عم.. كُلْ.. ما ألمَّ بك..!؟ قلت وبصوت مرتفع ونبرة حادة: والله لن أذوق لكم طعاما إلا إذا أخبرتموني مَن أنتم..؟ ومَن تكونون..؟
أنتَ تخدمني طوال أسبوع كامل، وأنا لا أعرفك.. تخدمني وتُبالغ في إكرامي..!! وأنا لم ألتقي بك سوى مرة واحدة في المستشفى..!! مَن أنت..!؟
قال: يا عم كُلْ هيا كُلْ وبعد العشاء أخبرك... قلت: والله لن تدخل فمي لقمة واحدة، ولن آكل طعامك إنْ لم تخبرني من أنت؟ ومن تكون؟
حاول الرجل التهرب من الجواب لكنه وأمام إصراري.. أطرق برأسه قليلا.. ثم قال بنبرة خافتة: يا عم إن كنتَ تَذْكُر... فأنا ذاك الطفل الذي أعطيته خمسة دنانير سنة 1964 عندما كنتُ أجلس خلفك في الحافلة أنا ابن فلان ابن فلان...
آه تذكرت أنت ابن فلان من قريتنا..!! نعم.. نعم.. لقد تذكرت يومها كنت في الحافلة متجها من قريتنا الفلاحية إلى إحدى المدن القريبة، وكان يجلس خلفي صبيان عمرهما لا يتجاوز على ما يبدو تسع سنوات، سمعت أحدهما يحدث الآخر قائلا له: هذا العام شحت السماء، والخريف يوشك أن ينصرم، والأرض لا تُنبت شيئًا، وأبي فلاح فقير ليس بيده ما ينفقه عليَّ، ولذلك فأنا مضطر لترك مقاعد الدراسة هذا العام..!!
لمّا سمعت الطفلان يتحدثان عن الفقر والحرمان بهذا الوعي الذي لا يدركه إلا الكبار، تأثرت وضاقت عليَّ الأرض بما رحبت..!!
وعلى الفور.. أخرجت من جيبي خمسة دنانير ونَاولتها للصبي، وقلتُ له: خذ هذه الدنانير، والمبلغ آنذاك يفي لشراء الأدوات المدرسية كلها.. رَفَضَ الصبي أخذ الدنانير، فقلت له: ولماذا يا ولدي..!؟ قال: ربما يظن أبي أني سرقتها؟ قالت: قل له فلان بن فلان أعطاني إيّاها لشراء الأدوات المدرسية، فإن أباك يعرفني تمام المعرفة..
تهللت أسارير الطفل وتناول الدنانير الخمسة وابتسم ابتسامة الرضا والسرور ودسها في جيبه..
ونسيت من يومها هذا الموقف مع ذاك الصبي..
قال الرجل: فأنا يا عم ذاك الصبي...  ولولا تلك الدنانير الزهيدة لما أصبحت اليوم بروفيسورا في أكبر مستشفى بالبلد
وها قد التقينا بعد أن منَّ الله علي بأعلى المراتب في أنبل وأشرف المهن فقد افترقنا سنة 1964 وها نحن نلتقي سنة 1994 بعد 30 سنة بالتمام والكمال..!!
والحمد لله أن قدرني لأرد لك بعض الجميل
يا عم الدنانير الخمسة التي أعطيتها لي صنعت مني بروفيسورا في الطب
يا عم والله لو أعطاني أحد كنوز الدنيا لما فرحت بها الآن كفرحي يومها بتلك الدنانير الزهيدة
يا عم أفضالك عليَّ كبيرة والله مهما فعلت فلن أرد لك الجميل...
فأسأل الله أن يجازيك خير الجزاء.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
فأكثروا إخواني من فعل الخير، ومساعدة الآخرين، و الصدقة، ولو بالقليل ففيها من البركة والخير الكثير في الدنيا، والأجر الكبير في الآخرة.

الأربعاء، 21 مارس 2018

دعوة مستجابة

             
                                                                                                                                                      
 - كانت هناك فتاة يتيمة ليس لها احد في الدنيا بعد الله تعالى سوى امها
 فقرر ان يتزوجها ابن عمها وكان ظالم لها شديد الظلم والجبروت
فقد كان يحتقرها و يسئ معاملتها هو وجميع اهله وجعلونها كخادمه تعمل ليل نهار ومع هذا لم تكن تسلم من الأذيه والسب والشتم التي تصل الى الضرب في كثير من الاحيان وكانت هذه الفتاة كلما ضاقت بها الدنيا تلجأ لأدفأ مكان وهو حضن أمها..
وتشتكي لأمها كل ما حصل لها ثم تبكيان سويا ثم تعود الي زوجها. والام ضعيفه مقعده لا حول لها ولا قوة  سوى ان تشارك  ابنتها ألمها بالبكاء معها ..
وظل الامر عشر سنين وكل يوم يسوء الوضع حتى اقنرب الاجل وحان وقت رحيل الام إلي بارئها
فبكت البنت وانهارت وامها في سكرات الموت..
. قالت لها امي لمن اشكو بعد رحيلك لمن احكي مأساتي امي لا تتركيني وحيدة...

فقالت لها الام ابنتي إن مت وضاقت بك السبل تعالي الى هنا الي بيت امك افرشي سجادتك واسجدي لله واحكي له كل ما يعكر صفوك واشكي له همك وبثي اليه حزنك..
. فماتت الام ومر اسبوع وضاقت الدنيا على البنت واخذت سجادتها وجرة بها ماء للوضوء وذهبت الي بيت امها وعملت بنصيحة امها فاحست براحه شديدة واستمر الامر هكذا لمده شهر كل اسبوع تاخذ جرت الماء وتذهب الى بيت امها تمكث ساعات ثم تعود وهي مبتسمه .
  فلاحظ اهل زوجها هذا
فادخلو الشيطان بينها وبين زوجها وقالو له من المؤكد ان زوجتك تخونك فهي تذهب كل اسبوع الى بيت امها ومعها الماء وهي متكدره ثم تعود بعد ساعات والماء فارغ وهي فرحانه ..
فقرر ان يراقب زوجته وذهب قبل الموعد الي بيت امها واختبأ في مكان هو يراها وهي لاتراه
فذهب الزوجه كالعاده وكان قد مر على وفاة امها شهر فتوضأت ثم صلت ثم وهي ساجده انفجرت باكيه واخبرت ربها بكل هم يؤلم قلبها وبما يعمل بها اهل زوجها وتدعوا لزوجها بالهدايه وتتوسل الي الله ان يصلح لها زوجها لانها تحبه رغم كل شي وظلت تبكي وتبكي وهو يسمع ويبكي معها متأثراً بما يرى ويسمع ..
ثم انهت صلاتها واذا بها ترى زوجها يبكي ويحتضنها ويعتذر لها ويوعدها على ان يعوضها ليبشرها ان الله استجاب لدعائك
وفي تلك الليله لم يعودا الى بيت اهله وناموا في بيت امها وهي نائمه رأت شخصا في المنام يقول لها ..
عشر سنوات تشكى لاقرب الناس اليك وما نفعك شئ. وشهر فقط تشكي لله فغير الله حالك من حال الى حال.
                                                    (سبحانك ربنا ما ارحمك)

جدتي الأمية الحكيمة

   - ترعرعت  في صغري مع  جدتي... تلك العجوز التي لم تنل قسطا كافيا من التعليم ، لكن رزقها الله بدلا من ذلك حكمة فطرية عجيبة وإيماناً عميقاً ...
احيانا كان البيت يمر بظروف اقتصادية صعبة مثلما يحدث في كثير من البيوت مثلا (ألا يستطيع خالي إرسال مال لها.)
ولا اعلم كيف كانت تدبر أمر البيت حينها إلى أن تمر الأزمة بسلام.
لكن في يوم من الايام لم اتمكن من نسيانه... مرت جدتي بأزمة طاحنة مفاجئة لم تكن في الحسبان... حيث نزلت للسوق لتشتري بعض الحاجيات فضاع منها كيس نقودها أو سرقه أحدهم.
فعادت للبيت ودخلت فوراً وهي شاردة نحو دولاب الملابس لتخرج آخر ما تبقى من نقود ...
ولا أنساها حين تسمرت وهي تنظر للخمسة دنانير الباقية في البيت كله.. وأمسكت بها لدقيقة كاملة تنظر إليها وكأن نهرا من الأفكار والحسابات المعقدة يمر بعقلها
وظهرت لأول مرة في عيني المرأة القوية دموع الحيرة والعجز ...
ثم كأنها قررت حلاً مفاجئاً ، فالتفتت إلي بحماسة وتصميم تطلب مني أن أساعدها فيما ستفعله.. لكن ما طلبته كاد يصيبني بالجنون ...
طلبت مني أن أنزل لشراء عشر بيضات وكيلو عدس.. فظننت أنها ستطبخه لنا.. ولكن ..!!
أخذت تطبخ العدس في استغراق وإتقان.. وتصاعدت رائحته الجميلة لتغمر البيت.. وسلقت البيض ، وسخنت بعض أرغفة الخبز.. ووضعت بعض الملح والفلفل في ورقة صغيرة ، ثم أخذت كل هذا.. ونزلت إلى الشارع.. وأعطته لبعض الفقراء في الحي ...
كدت أجن.. فقد نفد ما عندنا من مال.. وكدت أصرخ فيها : على الأقل كنت أعطني بيضة منهم
وكأنها قرأت ذلك في عيني المذهولة.. فقالت في إيجاز وثقة كلمتين فقط :
(اصبر.. وسترى)
رجعنا البيت قبيل العصر.. ولم يكن أمامنا إلا أن ننام لبعض الوقت.
لكننا استيقظنا على صوت طرق مزعج لباب البيت.. فإذا بولد ممن يبيعون في السوق يسألها :
( كيس الفلوس هذا هل هو لك يا حاجة)؟؟
كان سقط منها أمامه ، ولما حاول اللحاق بها تاهت منه في زحمة السوق .. ولأنه أمين فقد سأل الباعة حوله بعد نهاية السوق عمن يعرف بيت السيدة التي مواصفاتها كذا وكذا والتي تأتينا كل أسبوع فأرشدته إحدى البائعات ...
ولم تمض ساعة.. حتى ارتفع صوت طارق آخر ....
فإذا بصديق لخالي عاد من سفر ليعطينا دين عليه لخالي اقترضه قبل السفر مع هدايا وحلويات ...
يومها قالت جدتي :(يا بني.. اللقمة تزيح النقمة..كل ما تضيق بك الدنيا وتلاقي نفسك مزنوق.. اطعم فقير أو محروم)
قلت لها ضاحكا : (طيب كنا نطلع حاجة ثانية أحسن من العدس).
قالت: العدس من الاكل الذي ربنا ذكره في القرآن الكريم.. وكمان أنا أعطيه للناس لأني أحبه.. قدم للناس من اللقمة التي تحبها.. يقوم ربنا يحلي زادك ويفك كربك ..
كبرت فيما بعد وعرفت التأصيل الشرعي لثقافة جدتي
عرفت الحديث القدسي
(انفق يا ابن آدم أنفق عليك).
وعرفت حديث الرسول عن الرجل الذي سمع صوتا في سحابة :(اسق حديقة فلان)
وتعلمت قول الله تعالى :(وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه، وهو خير الرازقين)
لم تكن جدتي تحفظ هذه النصوص.. لكن هذا اليقين يسري في كيانها كله.
كانت في أيام الشتاء الباردة تسلق البيض وتوزعه على الفقراء الواقفين في الشارع ..!
أو تعمل ساندويتش وتعطيه لعامل النظافة.
كبرت وقرأت الكثير عن فضائل الإنفاق في سبيل الله وآثاره على العبد في الدنيا والآخرة.
فاستقبلتها في يقين من عاين كل هذا بعينيه ، ورأى كيف يستر الله أسرة بسيطة كبيرة العدد قليلة الرزق عبر سنوات ويعبر بهم نهر الحياة في بساطة وبركة ويسر.
- تعلمت أن التعامل مع الله تجارة رابحة.. وأن من تعامل مع الله عرف كرمه ولطفه ورحمته... فقط تعامل معه بيقين ....

ظلمت ابني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          - تزوج شاب من إمرأه وبعد ثلاث سنوات من الزواج لم تأتي إرادة الله لهذا الرجل أن يكون أبآ
وكان هذا الرجل مؤمن بإرادة الله وقدره فقرر هو وزوجته الذهاب إلى الملجأ وأن يتكفلوا طفلآ ويعتنوا به ويترعرع في كنفهم وفعلآ اختاروا طفلآ وذهبوا به إلى منزلهم وهموا برعايته والعنايه به حتى تعلقوا به وأصبحوا يرونه ابنآ حقيقيآ
وبعد سنوات قليله جاءت إرادة الله ليرزقا بطفل من أصلابهم وكادت الفرحه لاتسعهم وتشاوروا بينهم عن مصير الطفل الذي عاش بينهم حتى قررا أن يبقى معهما ويهتما به وبطفلهما الذي رزقهم الله به
وبعد سنوات بلغا الأطفال وأصبحا شبابآ يشد بهم الظهر ولم يفرقا بينهم بشيء
وكان الأولاد متحابين ومتفاهمين فيما بينهم ففي يوم من الأيام ذهب الرجل وزوجته لزيارة أحد الأصدقاء وبعد عودتهما إلى المنزل وجدوا إبنهم الذي من صلبهم يبكي ووجهه ملطخ بالدماء فغضب الرجل وزوجته بعد علمهم بإن أخاه هو من فعل به هذا وحاولوا أن يعرفوا السبب دون جدوى
فقرروا طرد ابنهم بالتبني من المنزل وأخرجوه من منزلهم بعد تجريحه وإهانته وقالوا له اخرج ولا تعد إلى المنزل نهائيا
فخرج الشاب والدموع تملأ عينه والحزن قد سيطرعليه واخد يتجول بالشوارع والأزقة لعله يجد ما يأكله من نفايات الناس وفي الليل يعود إلى حديقة المنزل ليقضي ليلته فيها فارشآ الأرض ومتلحفآ السماء لعل أباه أو امه يشفقا أو يحنا عليه ولكن دون جدوى وبقي أيامآ وأيام على هذا الحال ويحاول الإعتذار منهم والتوسل إليهم ولكن لا فائده من ذلك وأصرا على طرده
خارج المنزل
وفي يوم من الأيام سمع الأب ابنه الحقيقي يبكي وبصوت مرتفع وهو في غرفته فدخل عليه وأخذ يحضنه ويقول له ماذا بك يا بني لماذا تبكي هل أنت مريض هل أغضبك شيء فقال له الولد لا والله يا أبي ما يبكيني إلا حالة أخي كلما أنظر إليه أرى فيه الكأبه والحزن فقال له الأب وبغضب هذا ليس أخوك وليس ابني دعه وشأنه فقال له الولد يا أبي ما يبكيني هو إنني أخفيت عليك حقيقة سبب ضربه لي وبشراسه فقال له الأب ما السبب يا بني فصمت الولد قليلآ ثم قال له وهو يبكي كنت أتحدث معه وأثناء حديثي معه تمنيت لك الموت أو مكروهآ يصيبك كي أتنعم بثروتك فغضب مني وبدأ يضربني دون رحمه ويقول لي مت أنت واترك لي أبي وكررها كثيرآ ثم بكى وقال لي إن مات أبي سأموت معه فأنا احبه أكثر من نفسي فاندهش الأب مما يسمعه من إبنه
وذهب مهرولآ إلى الحديقه وهو ينادي أين أنت يابني فلما وصل إليه وجده ممدآ على الأرض وكان قد فارق الحياه بسبب الجوع والبرد.
 -(العبرة)
يجب على كل منا أن يكون عادلآ وحليمآ في قرارته وأن لا يجعل العاطفه تغلب عليه  فربما كلمة جارحه منك تقضي على مستقبل إنسان يحبك ويتمنى لك الخير